28 - 09 - 2024

كلام والسلام | علي كاكا وشركاه

كلام والسلام | علي كاكا وشركاه

فى تاريخ الجبرتى .. بيت شعر خالد لشاعر مجهول:

بُلينا بأمير ظلم الناس وسبَّح .. فهو كالجزار فيهم يذكر الله ويذبح !

والغريب أنه صار مثلا ودستورا للمصريين فى مواجهة حكامهم الظالمين على مر العصور .. ومعه بالطبع قفشاتهم ونوادرهم ونكاتهم الساخرة الباكية .

لم يسلم منها المماليك ..

ومن الطرائف التي تهكم عليها العامة أوامر سلطانية خاصة بتحريم الزنا ومنع الخمر والحشيش .

 وكانت الدولة تلجأ لذلك كلما وقع قحط أو وباء أو مجاعة بسبب انقطاع النيل ، فتعتبر الدولة القحط نتيجة لشيوع الفساد وقلة الدين ؛ وليس لانخفاض منسوب النيل.

 وكان المصريون يسخرون من السلاطين أنفسهم لأنهم رأس الفساد ، ولا معنى لإغراق امرأة خاطئة في النيل بعد ربط حجر بجسمها ، أو صلب أحد العامة لأنه شوهد يدخل الخمارة وفي يده قنينة خمر. خاصة أن كبار المماليك يفعلون ذلك علناً، وكانت الدولة تعترف بالبغاء ، وتفرض عليه ضرائب هو والحشيش . والرشوة كانت أمرا مشروعا بين الوزراء والقضاء ونيابة الأقاليم وولاية الحسبة وسائر الأعمال.

 وبعض السلاطين كان يتحمس أحيانا لتطهير البلاد من الفساد، لكنه لم يكن يُطبق حدود الإسلام ، بل الحدود التي شرعها هو ، فإذا رفض القضاة الأربعة وقاضي القضاة تنفيذ العقوبة .. عزلهم جميعاً .

ورغم تظاهر المماليك الظلمة أمام الرعية بأنهم حماة الشرع ، واحتضانهم الحركات الصوفية ، وانشاء الخوانق والتكايا للمتصوفة ووقف الأموال عليها ، وحبس الأوقاف لها، كانوا يؤمنون أن بناء مدرسة أو مسجد أو سبيل ماء كفيل بغفران كبائرهم ، خاصة ظلم العباد ، حتى لو أقيم المشروع بمال حرام ؛ وإذا تداعى البناء لخلل أو فساد في الإنشاء ، يشمت فيه العامة ويرجعونه إلى المال الحرام، مثل المسجد الذي بناه الملك المؤيد عام 820 هـ من مال اغتصبه ، وشاء القدر أن تميل إحدى مئذنتي الجامع ، قبل اكتماله فأمر بهدمها ، فأطلق العامة ألسنتهم للسخرية وإطلاق الدعابات ، ووصلت كلها إلى السلطان .

 وهناك واقعة شبيهة في المسجد الذي بناه السطان قنصوه الغوري بمال حرام فأسماه العامة .. المسجد الحرام . 

وعندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر بقيادة الجنرال نابليون بونابرت ؛ كانت الغلبة في القوة العسكرية للفرنسيين ، إلاّ أن المصريين امتلكوا سلاحاً نجح في إزعاج بونابرت وجنوده.. ابتكروا شخصية علي كاكا الذي يلف حول وسطه حزاماً يتدلى منه آلة جنسية ضخمة ؛ وصنعوا منها حلوى في الموالد للسخرية من نابليون والتلميح بعجزه الجنسي ، وعملوا على تحطيم معنوياته بالنكت والقفشات، مما دفعه لتجريم النكات ومنع إطلاقها في الشارع.

و تعرض الاحتلال البريطاني للسخرية ونكات المصريين الذين أسسوا مقهى المضحكخانة ، في نهاية شارع محمد علي بالقاهرة ، والتي كان يجتمع فيها الظرفاء لتأليف النكات ، والتي سرعان ما كانت تنتشر على ألسنة الناس ، ولم تخلُ من سخرية من الحكومة والإنكليز والملك والسرايا ؛ الأمر الذي أثار حفيظة الجيش البريطاني، فأغلقوا المقهى واعتقلوا روادها .

ولكن الحكام  بدورهم ايضا .. سخروا من المصريين؟! 

 ابتلي المصريون بحكم المستنصر بالله لمصر  60 سنة ، ولم يكن شديد العبقرية ليحكم بلدا مثل مصر ستة عقود ، و ينجو بحكمه من شدة قتلت نصف الشعب تقريبا ؛ دون أن تمسه هو وأسرته ؛ وتقصيهم عن الحكم .

فالرجل كان المسؤول الاول عن الشدة التي حملت اسمه في كتب التاريخ ، بل انه لم يفعل شيئا حقيقيا لايقافها، وظل طوال أعوام الموت و الخراب الطويلة ؛ يقف موقف المتفرج مثله مثل باقي الناس    وعندما مات أهل الفسطاط وتعالت جثثهم في الشوارع ، لم يعد يطيب للحاكم  أن يجلس في شرفة قصره المنيف في القاهرة ، و كانت مدينة القاهرة في تلك الايام و منذ أن اختطها جوهر الصقلي عاصمة جديدة لمصر .

ضج بالشكوي لوزرائه ، وامتنع عن الخروج لشرفته ، فقرروا أن يبنوا سورا مهولاً ؛ يحجب عنه  كل هذا الخراب. ارتفع الجدار الساحق الذي توقف أمامه بدر الجمالي يوما مندهشاً مستنكراً ؛ عندما جاء من بلاد الشام منقذاً بلدا مات. ارتفع السور يحجب موت العاصمة القديمة بأهلها المنحوسين .. عن العاصمة الجديدة وعين الحاكم . 

المستنصر أعجبه الحل ، وعاد لجلسته ينظر للافق بعين حالمة وديعة ؛ بعد أن زال عنه عذاب الفسطاط وأهلها  !!
---------------------------------
بقلم : خالد حمزة
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

كلام والسلام | عن الشامتين في نصر الله